صاحب النور الساطع والمتألق
صاحب النور من السماوات يًشرق
وهناك، من خلف ستائر الحاجز يكمُن
من هناك سر البار نقيّ وواضح للعيان
والنور والظلام ساطعين مُتألقين معا
كم من الطيب أن تًلقي نفسك في أفعاله
ولكن إحذر من أن تحاول أن تمد يدك للإمساك به
عندها تستطيع أن تسمع صوته، وترى نوره
هناك في حصن الجبار صاحب الإسم العظيم
تستطيع أن تتذوق وتستطيب كلام الحق
وتتلفظ بالكلام الطاهر النقيّ
وكل ما ستراه
ستراه بعينيك أنت، وليس آخر
اللذين يحبون الرب يكرهون الشر
مقطع من الذي دُوِّن في النص هنا يقول: "أنتم اللذين تحبون الرب تُبغضون الشر, فإن الخالق يحفظ نفوس أَتباعه ويُخلصهم من أيدي الأَثمة وفاعلي الشر" , وهذا تفسيره بانه ليس كافيًا عليك أيها الإنسان أن تُحب الخالق وان ترغب في التقرب والإلتصاق به ولكن يجب على الإنسان أن يكره الشر.
إنّ مسألة الكراهية للشر تظهر في صورة كراهية ما يدعى "الأنانية - حب الذات" فالإنسان يرى الشر الذي فيه "الأنانية" ويرى بأنه لا يملك الوسيلة للتخلص منه وفي نفس الوقت لا يريد أن يُسَلم بالأمر ويرضى بهذا الواقع. فالإنسان يرى الخسائر التي سببَها الشر له وفي نفس الوقت يرى الحقيقة بأنه لا يستطيع أن يمحق ويُبطل هذا الشر بنفسه وبقوته لأنه قوة طبيعية من قِبل الخالق الذي دمغ حب الذات في الإنسان.
هذا المقطع هنا يُخبرنا بما يستطيع الإنسان عمله, أي أن يُبغض الشر. والخالق هو الذي يحميه من هذا الشر كما ورد في النص: "وهو يحفظ نفوس أتباعه" , ما هو المقصود بالحفظ هنا؟ أي انه يُخلصهم من أيدي الأَثمة وفاعلي الشر. في هذه المرحلة يكون الإنسان ناجحًا لأنه مرتبط بالخالق حتى ولو بشكل ضعيف.
في الحقيقة, إن مسألة الشر تبقى وتخدم بمثابة "الأخورايم" أي "دعامة" للبرتزوف رجاءً أنظر شرح المفردات. ولكن هذا ممكن فقط من خلال تصحيح الإنسان لنفسه لأنه من خلال الكراهيته للشر يمكن بالتالي تصحيحه ليأخذ شكل الأخورايم "الدعامة" . الكراهية للشر تأتي إذا كان الإنسان يريد أن يقترب ويلتصق بالخالق, وهذا شبيه بالسلوك المتعارف عليه بين الأصدقاء: فإذا أدرك الصديقين بأن كل منهما يكره كل ما ومن يكره الآخر, وكذلك يحب كل ما ومن يحبه الآخر, عندها ستجمع بينهما صلة صداقة ثابتة وأبدية كالوتد القائم ولا يمكن إزالته أبداً.
بما أن الخالق يُحب العطاء فعلى الإنسان أيضًا أن يتبنى سمة العطاء في ذاته ويكون العطاء رغبته الوحيدة. الخالق يكره تلقي أي شيء لأنه كامل ولا حاجة عنده لشيء لأن لا عجز ولا نقص فيه, كذلك الإنسان وبصورة متباينة يجب عليه أن يكره إشباع الذات لديه يجب أن يكره الإنسان بشدة "الأنانية وحب الذات" فإن كل الخراب والدمار والمصائب التي في العالم سببها الأنانية وسعي الإنسان وراء إشباع الذات على حساب الآخرين, ولكن من خلال كراهية الإنسان لأنانيته يكون قادرًا على تصحيحها ويجد نصيبه في القداسة.
السلام في العالم
"الرحمة والحقُّ إلتقيا البرُّ والسّلام تلاثما. الحقُّ من الأرض ينبتُ والبرُّ من السّماء يطلعُ . أيضا َ الرّبُ يُعطي الخيرَ وأرضُنا تعطي غلتها. البرُّ قُدامه يسلكُ ويَطأُ في طريق خَطواته"
(من مزامير الملك داود رقم ٨٥)
تقييم الأشياء بحسب درجة تطورها وليست كما تظهر للعيان
كل شيء من مكونات الواقع في عالمنا أكان الحسن أو السيئ وحتى أكثر الأشياء سؤًا وضررًا, له مكانته وحقه في التواجد في هذا العالم, ولا يمكن إبادته أو مَحوه بالكامل, فالمسؤولية التي تقع علينا هي تصحيحه وتحسين سلوكه فقط, فبالتمعن وملاحظة كيفية إنسجام عمل الخليقة كافٍ ليُعلمنا عن عظمة وكمال الخالق. لذلك يجب علينا أن نفهم وأن نكون شديدي الحذر في تلفيق الخلل إلى أي جزءٍ أو عنصر من الخليقة كالقول أن هذا المخلوق لا حاجة له ولا ضرورة لوجوده, لان ذلك يعتبر افتراءً على الخالق نفسه.
لكن وكما هو معروف لدى الجميع أن الخالق لم يُكمل عملية الخلق عندما خلق الخليقة. وبنظرتنا إلى الواقع الذي نعيش فيه من كل جوانبه أي من ناحية عمل القانون العام والقانون الخاص فإننا نرى أن الكل ملتزم بقوانين النمو التدريجي إبتداءً من مرحلة العدم إلى مرحلة النمو الكامل ولهذا السبب عندما نتذوق الطعم المر لثمرة ما في بداية نموها فهذا لا يُعَد خلل أو علة في الثمرة لأنه واضحٌ للجميع بأن الثمرة لم تكمل عملية نموها.
وهكذا هو الحال في كل عامل من عوامل الطبيعة: فإذا بَدى أي عنصر أو عامل ما من الواقع المحيط بنا على أنه سيء ومؤذ ٍ لنا فهذا إن دلّّ على شيء إنما يدلّ على أن هذا العامل لا يزال في المرحلة الإنتقالية من مراحل نموه. ولذلك لا يحق لنا القول أن هذا الشيء سيء وليس من الحكمة بأن ندعي أن هناك عيب فيه ويستوجب إزالته.
ضعف وعجز الإصلاح الشكلي للعالم
المنطق في فهم عجز "أصحاب فكر الإصلاح الشكلي للعالم" الذين ظهروا في كل الأجيال السابقة هو أنهم اعتبروا الإنسان كالآلة التي لا تعمل بشكل صحيح والتي تحتاج إلى الإصلاح أي التخلص من الأجزاء الغير الصالحة وتبديلها بأجزاء أفضل.
لذلك فإن سعي هؤلاء كان ينصّب على إبادة كل ما هو مضرٌّ وشرير من الجنس البشري والحق يُقال أنه لولا أن الخالق منعهم لتمكن هؤلاء المصلحين من القضاء على البشرية مُبقين فقط على الصالح والنافع في نظرهم.
لكن ولأن الخالق برحمته يُناظر حارسًا على كل عناصر خليقته, ولا يسمح لأحد بالقضاء على أي شيء من عمل يديه بل تصحيحه فقط وجعله صالح ونافع , فإن كل هؤلاء المُصلحين ذو أفكار كتلك التي وردت سابقًا سوف يختفون عن سطح البسيطة ولكن النزعات الشريرة لم ولن تختفي أو تتوارى من العالم ولكن كالثمرة العجراء يجب أن تمر بكل مرحلة من مراحل النمو درجة درجة حتى تصل إلى مرحلة النضوج التام هكذا النزعات الشريرة في الإنسان يجب أن تمر في كل مراحل التصحيح حتى تصل إلى النهاية إلى درجة الكمال
عندئذ تتحول هذه النزعات الشريرة إلى سمات جيدة ونافعة مثلما قصدها الخالق لتكون منذ البداية, وكعقد الثمرة على الغصن يجب أن يمر في كافة مراحل النمو ببطء على مدى الأيام والشهور حتى يصل الى ثمرة كاملة النضوج وفي هذه المرحلة أي مرحلة النضوج التام وعندها يصبح طعمها وحلاوتها شيء ظاهر وواضح لأي شخص.
بقية المقال في طَور العمل