وصف للكتاب
إن كتاب "علم الكابالا" الجزء الأول, هو الأول في سلسلة من مجموعة الكتب التي تتضمن شروحات تهدف إلى تعريف القراء على اللغة والمصطلحات الخاصة المستخدمة في لغة علم حكمة الكابالا. في هذا الكتاب يُظهر الكاتب علم الكابالا الأصيل بطريقة عقلانية وناضجة يوجه القراء تدريجيا إلى فهم التصميم المنطقي للكون وللحياة فيه
كتاب "علم الكابالا" كتاب لا مثيل له في تفصيلاته الواضحة وعمق بحثه الذي على مستوى الفكر والذكاء الرفيع عند الإنسان والذي سيساعد القارىء ويمنحه القدرة العلمية الذي يحتاجها في البحث والدراسة في كتابات عالم الكابالا يهودا أشلاغ - صاحب السلم
بالرغم من أن الكتاب على مستوى العالم والفقيه في مواضيعه وشروحاته فإن الشخص العادي يستطيع فهمه والإستنارة منه والتعمق في محتوياته وإيجاد إيجابات مُرضية لألغاز الحياة التي لا يستطيع أي علم بجانب علم حكمة الكابالا الإجابة عليها. نتمنى لك رحلة ممتعة في صفحات هذا الكتاب أو ما نحاول أن نقدم منه إلى احباءنا والذين يتابعونا من خلال موقع الكابالا باللغة العربية
مع خالص إحترامنا
مقدمة لموضوع مقال - فاتحة لعلم حكمة الكابالا
كل المقاطع التي من تأليف عالم الكابالا يهودا أشلاغ والملقب بصاحب السلم كتبت ودوّنت في هذا الكتاب كي يتسنى للقارئ الإضطلاع والبحث في النصوص الأساسية لعلم الكابالا ولفهما وإستيعابها, فإن جميع هذه النصوص كُتبت في مراحل مختلفة من درجات إحراز العالم الروحي وكلٌ منها يحتوي على خاصيته من القوة الروحية والعمق.
لقد قيل في كتاب الزوهار "في المقالة الأسبوعية بعنوان تازريا ص ٤٠ ": "إن كل العوالم إبتداءً من العالم الأعلى إلى العالم السفلي كلها موجودة داخل الإنسان. وكل ما خلقه الخالق في العالم عمله من أجل الإنسان وكل ما فيه يعيش وينمو بسبب الإنسان ". ومن الضروري إدراك ما يلي : هل الإنسان غير راضي في هذا العالم وبكل ما فيه والذي وجِد لغرض أن يخدمه وينميه ، حتى أنه يرغب في إحراز العالم الأعلى أيضا ؟"
١- كتاب الزوهار مقسّم إلى خمسة كتب وإلى مقاطع للقراءة الأسبوعية. وإحدى هذه المقاطع الأسبوعية هي بعنوان تازريا.
قد قيل: "ان الخالق خلق الإنسان بإسم كامل. وكل ما خُلق هو في درجة الكمال المطلق والتام، كل شيء وجد في ما خلقه الخالق". إستنادًا على ما ذُكر أعلاه ، نرى أن العوالم بأكملها ، العالم الأعلى وعالمنا هذا، وكل ما يملأهم بكل ما هو مفعم بالحياة، كل العوالم بإستثناء الخالق، كله موجود في داخل الإنسان.
٢- لغرض شرح ما ورد يستوجب على الإنسان ان يُفسرعلم الكابالا بشكل كامل ومبسط. ومع متابعة الدراسة سيتضح معنى ما سبق ويصبح جليًا في المراحل المتقدمة للدراسة.
النقطة الأساسية هي أن نيّة الخالق هي في العطاء الكامل وإغداق البركة والمسّرة على المخلوق منذ اللحظة التي فكر فيها في عمل الخليقة وخلقْ النفوس ليُنعم عليهم بالبهجة والمسّرة ظهرت هذه النفوس أمامه في برهة في مطلق الكمال والرفعة, وكانوا ممتلئين بالمسّرة الأبدية التي أنعمها الخالق عليهم. فِكرُ الخالق بمفرده أكمل الخليقة بكافة عناصرها وكمالها ولم يتطلب هذا العمل بذل أي جهد ٍ لإنجازه.
السؤال الذي يتجلى هنا بالنسبة لما قيل هو: لماذا خلق الخالق العوالم ووضع كل هذه الحدود فيها الواحد تلو الآخر مُتدرجًا من الأعلى نحو الأسفل إلى عالمنا الصغير هذا ومن ثم وضع هذه النفوس - خليقته - في أجساد ضعيفة في هذا العالم؟
إذا كان الخالق ذو القدرة والسلطة والنفوذ لما لم يوفر للإنسان كل ما هو ضروري له وبحاجة إليه ؟ لما لم يسمح لكل واحد منا أن يتصرف في حريته الشخصية فيما يراه الإنسان مناسبًا له؟ إذا كانت الرغبة بمفردها كافية - لكان كلٌ منا عمِلَ عالما ً أفضل من الذي نحن فيه . لماذا إذًا عمل الخالق كل شيء على هذا النحو؟ إذا كنا الآن نشعر بالمعاناة على كل المراحل في كل ما يعمله الإنسان حتى نجني الفائدة في المستقبل, ألا يُشير هذا إلى عدم الكمالية في عملية الخلق؟
٣ - الجواب على هذا السؤال موجود في كتاب "شجرة الحياة " لعالم الكابالا الآري, والذي ينص كما يلي: "..... كل ما خُلق, خلقه الخالق وكأن الهدف منه هو إظهار وإثبات كمال وبراعة أعماله." ولكن يتوجب علينا أن نفهم: كيف أنه من المستطاع أن ينبثق عمل غير تام من الخالق الذي هو الكمال والبراعة ذاتها؟ وبالإضافة إلى ذلك يتوجب على المخلوق إصلاح نفسه وأن يرتفع إلى المستوى الروحي من خلال سلوكه وتصرفاته في هذا العالم.
لماذا عمل الخالق عالما ً كما يظهر ويبدو لنا على أنه عالم ضعيف وعديم الكليّة والكمال, وعَمِلَ هذه الأجساد الضعيفة ووضع في هذه الأجساد الضعيفة النفوس ذات السمة الأبدية؟ هل عَمِل الخالق كل هذا حتى تكتشف هذه النفوس معنى الكمالية؟ بمعنى أن الخالق عمل هذا العالم على هذا الحال وأيضًا عمل مخلوق ضعيف ووضعه في هذا العالم لكي يبذل الإنسان جهده ويُكافح بعرقه حتى يصل إلى مرحلة الكمال بذاته؟ هل هذا هو هدف وكمال أعمال الخالق؟
في الواقع أنّ هناك جزئين أو قسمين في النفوس البشرية يجب التميّز بينهما وهما: النور والوعاء الروحي. فإن جوهر النفس هو وعاءها الروحي والذي يدعى أيضًا الكلي, والوفرة الكثيرة التي تفكّر الخالق فيها لكي يغدقها على النفوس هي النور والذي بدوره يملئ الكلي أو الإناء الروحي للإنسان.
بما أن الخالق يريد ويرغب في إغداق المسّرة والبهجة على النفوس التي خلقها إذاً كان من اللا بُد أن يخلق "الكلي" على شكل الرغبة في التقبّل أو الأخذ لكي تتمكن النفس البشرية من تقبل المسرّة والبهجة من الخالق. فإن مقدار حجم الرغبة في التقبل يُحدد مقدار النور الذي تستطيع النفس تلقيّه. يجب أن تعلم أن الرغبة في التقبل هي جوهر النفس. قد خُلقت من اللا شيء وإنها تدعى "الكلي" أي الإناء الروحي للنفس البشرية. الوفرة والمسرّة التي تملئ الكلي تُعرف بنور النفس والذي ينبعث ويشعّ من الخالق.
الخالق هو مصدر النور وإن الرغبة أو الكلي أي الإناء الروحي للإنسان هي الخليقة التي خلقها الخالق. والنور الصادر من الخالق نفسه هو المسرّة والملذة والبهجة التي تملئ هذا الكلي أو الإناء الروحي. بمعنى آخر إنّ الهدف الرئيسي هو رغبة الخالق في العطاء المطلق, والثاني هو في عمل مخلوق ذو رغبة في التلقي من الخالق. فبشكل كليّ يوجد هناك عاملين أساسيين في الخليقة:
العامل الأول: الإناء الروحي "الكلي" - أي الرغبة في التلقي أو التقبّل, النفس, آدام "آدام هاريشون", أي الخليقة.
العامل الثاني: النور اي البهجة التي تنبثق من الخالق.
٤ - الخليقة هي شيء لم يوجد من قبل أي بمعنى أنها الشيء الذي عُمل من اللا شيء. ولكن كيف يُمكننا حتى تصور أي شيء غير موجود في الخالق؟ فإن كل شيء موجود فيه بكل تأكيد. لقد قيل بأن الخليقة كلها ليست إلا عبارة عن الإناء الروحي بحد ذاته أي الكلي, النفس, الرغبة في التلقّي فقط. إذا ً فإنه من الواضح ان رغبة كهذه لا توجد في الخالق لأنه هو قوة العطاء المطلق, لذلك إن الرغبة في التقبل بكاملها هي خليقة جديدة لم توجد من قبل وتُعرف بأنها وُجدت من اللاشيء.
نحن لا نستطيع تصور اللاشيء, فكل شيء يوجد في عالمنا له تاريخه والأحداث التي مهدت وأدت إلى ظهوره لأن كل شيء ولد أو نشأ من شيء ما. نأخذ على سبيل المثال المادة, فالمادة الصلبة شُكلّت من السائل الغازي. فما معنى أنّ شيء ما شُكل أو نشأ من اللاشيء؟ نحن غير قادرين على إستيعاب حدث كهذا. أما بالنسبة للأمور المختصة بالعالم الروحي فبينما نحن نحاول إدراك وفهم العالم الروحي فإننا نُصبح مُشتركين في مراحل الإدراك والفهم لسمات هذا العالم على مراحله.
٥ - يجب على الإنسان معرفة أنّ من المميزات التي تتميز بها الروحية هي الإحساس إما بالقرب أو بالإنعزال الذي يتبع أو يخضع لمدى التوازن أو الإختلاف في السمات بين الخالق والمخلوق. فلو كان هناك شيئين في العالم الروحي وإذا كان كلا الشيئين يصطبغان بالصيغة الروحية نفسها أي أن السمات التي تميزهما متطابقة فإن الإرتباط بينهما يكون موثوقًا مكونين وحدوية كاملة. وإذا لم يكن هناك أي إختلاف بين كلا الشيئين إذا فإنه من غير المستطاع الفصل بينهما. يكون الإنشقاق ممكن فقط في حال الإختلاف في الشكل والسمات.
فإن درجة الإختلاف في السمات هي التي تحدد المسافة أو مدى الإنعزال بين كلا الشيئين. فإذا كانت كافة السمات متناقضة للواحد مع الآخر إذا ً فإنهما منفصلين للأبد عن بعضهما أي أنهما في حالة إنفصال تام.
في عالمنا هذا عندما نقول أن شيء ما مُتشابه مع الآخر معناه أنّ كلا هذين الشيئين كائنين ولكن مُتشابهين, بمعنى انه يوجد عوامل مُشتركة من ناحية التماثل من خلال الصفات بينهما, في العالم الروحي ليس الأمر هكذا إذ أنه من المستحيل تقييم الأمر على هذا النحو ولا يمكننا إستخدام المعنى والمصطلح نفسه لوصف الترابط. ففي العالم الروحي كل شيء يُقاس حسب درجة الإختلاف في السمات بين الواحد بالمقارنة مع الآخر. فإذا لم يكن هناك أي فرق فكلا الشيئين يتقاربان من حيث مبدأ التشابه بالسمات إلى درجة الإندماج مُشكلين وحدوية كاملة. ولكن إذا كان هناك تشابه جزئيّ في السمات فإن درجة الإندماج تكون محصورة في تلك السمات المتشابهة فقط كالدائرتين المتداخلتين بشكل مُتشابك والمتطابقتين جزئيًا, جزء من الدائرة الواحدة يتشابك مع الجزء الآخر من الدائرة الأخرى وهذا التطابق الجزئي بالتالي يُشكل مجال أو مساحة مُشتركة.
يوجد صفتان مميزتان في العالم الروحي, الأولى هي "التقبل للمسرّة والملذات" والثانية هي "العطاء وإنعام هذه المسرات على الآخرين". لا يوجد أي شيء بجانب هاتين الصفتين. فإذا وضعنا شيء ما بحانب الآخر فإن التجاوز الناشئ عن ذلك يُرينا بأن هذين الشيئين متناقضين تمامًا وبشكل كليّ وبدون أي نقطة إرتباط أو تواصل بينهما. ومع ذلك فإذا تغيرت صفة " التقبل أو الآخذ "لتصبح كصفة "العطاء المطلق" بمعنى آخر إذا تواجدت الرغبات نفسها بين الخالق والخليقة عندها يتقاربان من بعضهما الواحد إلى جانب الآخر وهذا التقارب يُنتج نوعا من الإرتباط والإندماج بين هاتين الصفتين, وما تبقى من الرغبات المتناقضة بينهما تبقى بعيدة أو منعزلة بسبب عدم التماثل بينها. فمنذ البداية خُلقت الخليقة بسمات معاكسة لسمات الخالق.