لماذا نحن هنا في هذا العالم؟ وماذا يُخبئ لنا المستقبل؟ وكيف يكون بإمكاننا أن نتجنب المعاناة في الحياة ونعيش بهدوءٍ وأمان؟ هذه أسئلةٌ يرغب جميعنا بالإجابة عليها. علم حكمة الكابالا يوفر لنا الأجوبة ليس فقط على هذه الأسئلة فحسب بل على المزيد منها...
كما ويسمح لنا بطرح أي سؤال يجول في خاطرنا وكذلك إختبار الشعور الصادق والعميق بالإكتفاء الداخلي الناتج عن إيجاد ردود وتفسيرات عميقة وكاملة لما يبحث عنة الإنسان. لهذا السبب سُميت حكمة الكابالا "بالحكمة الخفية ". تُعلم حكمة الكابالا بأن جميعنا نرغب بمتعة العيش. يدعو علماء الكابالا هذه الرغبة "بالمشيئة أو بالإرادة لتقبل المُتعة والمسرّّة" أو ببساطة "الإرادة للتقبّل". هذه الرغبة تحثُّ كل أنواع سلوكنا وتصرفاتنا وأفكارنا ومشاعرنا, وعلم حكمة الكابالا يصور ويصف لنا كيف نُدرك ونحقق رغباتنا. مع أنّ علم حكمة الكابالا غالبا ً ما يميل أو يبدو وكأنه علم تقني أو علم غامض , لكن من المهم جدًا أن نذكر بأن هذا العلم هو علم عملي. فالأشخاص اللذين تضلعوا وأبرعوا في هذا العلم وكتبوا عنه هم أشخاص مثلي ومثلك. كانوا يسعون في إيجاد حلول وأجوبة لمثل هذه الأسئلة والتي جميعنا نرغب أن نجد جوابا ً لها. أسئلة كالتالية:
"لماذا ولدنا في هذا العالم"؟ "وماذا يحدث لنا بعد موتنا"؟ "لماذا هناك معاناة وآلآم في هذه الحياة"؟ "هل بإمكاني الشعور بالسعادة والمسرّة الدائمة والباقية, وإذا كان هذا الأمر صحيحٌ , فكيف يمكن تحقيقه"
علماء الكابالا واللذين كتبوا هذه النصوص التي ستقرأها هنا, هم من الأوائل في إختصاصهم ويتمتعون بسمة اللطف إلى حد كبير جدًا وفوق ما تتصوره. فقد جعلوا أمامهم هدفًا واحدًا وواضحًا وهو بأن يُظهروا ويُبيّنوا للبشرية بأكملها كيفية الحصول على حياة أبدية مليئة بالسعادة المطلقة والشعور بالإكتفاء التام. وللحصول على هذا قاموا بدراسة الرغبة في تقبل الملذات والمسرّات لدى الإنسان والتي هي موجودة في كيان كل شخص منا.
أشهر وأعظم علماء الكابالا اللذين عاشوا في عصرنا هم أيضا ً اللذين شرحوا قواعد حكمة الكابالا في أسلوب واضح ومُبسّط. من فقهاء علم الكابالا الأوليين واللذين تبدو مقالاتهم في هذا الكتاب, عالم الكابالا الشهير يهودا أشلاغ والمعروف بصاحب السلم ولُقبَ كذلك نسبة ً لكتابه الذي هو بعنوان "التفسير السُلمي لكتاب الزوهر", وإبنه عالم الكابالا الشهير باروخ أشلاغ والذي توسّع في دراسات وكتابات صاحب السلم بوضح أكثر.
نتمنى لكم السعادة والمتعة الكاملة في دراستكم لهذه الكتاب كما ونتمنى بأن تحقيقوا نموًا روحيًا سريعًا.
مقدمة عامة
من أجل فهم علم الكابالا وكتاب الزوهار, يجب علينا أن نتعلم بنية الخليقة بأكملها, بنية كل العوالم, كيفية عمل القوانين الحاكمة لهذه العوالم, وكيفية تأثيرهم على نفوس البشر والعكس صحيح أيضًا في كيفية تأثير نفوس البشر على هذه العوالم, وكيف يُدير ويحكم الخالق الوجود بكامله وأيضًا كيفية تأثير الكائنات الحية على العناية الإلهية.
الهدف من دراسة علم الكابالا هو إدراك ومعرفة العوالم الروحية أي "السماويات", وفهم هدف الكون والوجود على كل مستوى وبقياساته الكاملة, لإدراك الحس فوق نطاق قوة الموت والحياة, وتجاوز الزمن. والبلوغ إلى مرحلة يتمكن فيها الإنسان من العيش في كل العوالم أي عالمنا هذا والعالم الروحي معا في الوقت نفسه. والإندماج مع القوة العليا لمساعدتنا على فهم الخالق وسماته, وبالتالي إدراك هدف وجود الإنسان في هذا العالم, كما ويكون بإمكان الإنسان تحصيل كل هذه المعرفة في أثناء حياته هنا في هذا العالم.
تُقدم دراسة حكمة الكابالا للإنسان أجوبةً على كل تساؤلاته. فيستطيع الشخص أن يدرس نظرية الحدث والعاقبة وصلتُها أو إرتباطها بعالمنا, ويدرس أيضا ً العالم الروحي الأعلى والذي هو مصدر كل شيئ في عالمنا هنا. إنّ تجلي العوالم الروحية العليا يحدث على شكل تدريجي وفي داخل نفس الإنسان. ينمّي الإنسان حاسة إضافية في داخله وهي بدورها أكثر حساسيّة من حواسه الخمسة الأخرى والتي بواسطتها يستطيع إدراك القوات الإضافية في الكون من حوله, أي الجزء الذي هو مُستتر عن عيون الإنسان العادي.
يُطلق على حكمة الكابالا بالحكمة الخفية لأن هذا العلم يُصبح جليا فقط للإنسان الذي يفهم ويدرك الصورة الحقيقية للكون. بسبب الطريقة المختلفة عن المتعارف عليه في تعليم وتثقيف الإنسان,حكمة الكابالا كانت دائمًا وما زالت ذات مكانة بارزة ومُختلفة عن الأديان الشائعة.
فعلم الكابالا يُنمّي في الإنسان حسٌ لنقد وتحليل الأمور, يُنمّي فيه حدس واضح والقدرة على البحث الواعي بشأن نفسه والعالم المحيط به. خارج نطاق نوعية هذه الصفات المذكورة لا يستطيع الإنسان أن يبحث في معرفة هذا العالم والعالم الروحي الأعلى.فالثقافة التي يُقدمها علم الكابالا هي فردية بكليتها ومعارضة بشكل مطلق للتعليم الجماعي الشامل لطبقات المجتمع. فالإنسان الذي يدرس ويبحث في علم حكمة الكابالا يجب أن تتوفر له الحريّة في البحث في معرفة النفس, وأيضاُ الوسائل والإمكانيات التي تساعده على النمو المستمرّ . لا يتوجب أبدا ً أن يكون النمو الداخلي للإنسان محدودا ً بأية صورة على الإطلاق.
فإذا أعطي الإنسان كل أنواع التعليمات والأوامر التي يتوجب عليه إتباعها , تُعدم حريته بسبب أنه فُرض عليه أسلوب ونموذج إنسان آخر مُخالفا ً لكيانه ونفسه. إننا نقترب من نهاية حقبة تطور البشرية وإلى بداية دخول الإنسانية بأكملها إلى العالم الروحي. فلم يشهد التاريخ من قبل رؤية أعداد كبيرة ومتزايدة من الناس اللذين يُبدون إهتماما ً لدراسة الكابالا. واليوم تُعد دراسة علم حكمة الكابالا من الدراسات ذو الإعتبار والمقام المُحترم. وهذا كله يُشير إلى أن تغيير رائعٌ وشاملٌ قادم من فوق من عند الخالق.
١- المقدمة
٢- موضوع علم الكابالا
٣- القانون العام والقانون الخاص
المقدمة
قبل أن أبدأ بشرح تاريخ حكمة الكابالا وجدت أنه من الضروري أن أبداء بتوضيح شامل وتام عن ماهية وجوهر الكابالا والتي أعتقد بأن الكثير يعرف القليل عنها. من الطبيعي أنه من المستحيل التكلم عن موضوع ما من دون معرفة الموضوع نفسه. بالرغم من أن المعرفة عن هذا الموضوع واسعة وعميقة كالمحيط , سأبذل أقصى جهدي مع كل القوة والمعرفة التي حصلت عليها وأحرزتها حتى يكون بوسع كل نفس أن تستنتج الحقائق النهائية الصحيحة على واقعها الحقيقي من دون ترك أي مجال للخطاء.
ما هو محور علم الكابالا؟
يدور هذا السؤال في خاطر أي شخص قويم الرأي. ولمناقشة هذا السؤال كما ينبغي, سأقدم لك عزيزي القارئ تعريف جدير بالثقة وثابت وهو كالآتي: "طريقُ الكابالا هو لا أكثر ولا أقل مِن سِلسلةٍ مُتعاقبةٍ مِن الجذور المُتماسِكة والمتداليةِ إلى الأسفل بناءً على نَظريِّة الحَدثْ والعاقبة على شكل قوانين ثابتة ومحددة تتناسجُ كُلها متمازجة ً لتشكلُ هدفٌ واحدٌ وعظيمٌ نستطيعُ وَصفه بأنَّه وَحيُ وإظهار وَرَعُ وصلاح الخالق تعظم ذكره تجاه خَلِيقتهُ في هذا العالم".
(من مقالات عالم الكابالا الشهير يهودا اشلاغ, "صاحب السلم")
كمضوع للدراسة , يعالج علم الكابالا موضوع الخليقة فقط , فالشيء الوحيد الموجود إلى جانب الخالق هو"نفس الإنسان" أو "الأنا" والتي هي موضوع البحث في علم الكابالا. يُجزء هذا العلم النفس أو الأنا إلى أجزاء شارحًا بُنية ومكونات كل جزء بمفرده وهدف وجوده. يشرح علم الكابالا كيف أن كل جزء من الأنا عند الإنسان والتي تُدعى "النفس" بإمكانها أن تتغير حتى يستطيع الشخص أن يُدرك ويُحقق هدف الخليقة, وهذا الهدف مرغوبٌ من قبل الطرفين - الخالق والمخلوق - هذا إذا كان الإنسان يُدرك هدفه الذي ولدَ من أجله.
لا يوجد علم في العالم يستطيع وبشكل تصويري أو تحليلي ومن خلال إستخدام تراكيب مُختلفة أن يشرح أحاسيسنا ورغباتنا وكم هي مُختلفة ومتعددة الأنواع. وكم هي مُتقلبة - من غير الممكن التنبؤ بها - وكم هي مُتميزة بشكل مُطلق في كل فرد منا. وهذا بسبب أن رغباتنا تظهرُ في فكرنا وأحاسيسنا بشكل تدريجي وبطريقة محددة لسلسلة مُتعاقبة حتى يكون بإمكاننا معرفتها وبالتالي إصلاحها.
الخالق هو مصدر النور أي "البهجة والمسرات". هذا هو الإحساس المتعارف عليه من قبل هؤلاء الذين شعروا بوجود جلالة عظمته. أُناسٌ كهؤلاء واللذين يتقربون من الخالق ويشعرون به يُدعون بعلماء الكابالا. فكلمة كابالا مشتقة من كلمة (لي-كا-بل) أي يتقبل أو يتلقى نور الخالق. بإستطاعة الإنسان أن يتقرب إلى الخالق من خلال التوازن في نوعية الرغبات فقط . فالخالق روح أي أنه غير مادي أو محسوس ومن المستطاع أن نشعر به في قلوبنا. المقصود بكلمة "قلب" هنا ليس المضخة التي تُنظم تحريك الدم في عُروقنا ولكن المقصود هنا بكلمة القلب أي مركز كل إحساس يشعر به المرء.
علاوة على ذلك لا يستطيع الإنسان أن يشعر بالخالق بكل قلبه ولكن وبالتحديد من خلال نقطة صغيرة فيه فقط. ففي دورة الحياة يأتي الإنسان إلى مرحلة أو موقف معيّن يعي وجود النقطة في قلبه وعندها يبدأ الشخص بالشعور برغبة تجاه العالم الروحي والخالق, وكلما أخذت هذه الرغبة تنمو في سماتها المشابهة لتلك التي للخالق في محبّة الآخرين والعطاء, عندها يستطيع النور أن يدخل هذه الرغبة "أي يدخل النور إلى قلب الإنسان".
قلبنا هو مركز ومجمَع رغباتنا الأنانية, والنقطة الصغيرة في داخله هي جزء من الرغبة الروحية والمحبّة للغير أي "عكس الأنانية" والمزروعة فينا من فوق بواسطة الخالق نفسه. إن مِنْ واجبنا أن نُغذّي هذه الحالة الجنينية لهذه الرغبة الروحية لتصل إلى درجة أنها هي نفسها "وليس طبيعتنا الأنانية" تكون قادرة على أن تُحدّد وتقرّر كل طموحاتنا. وفي نفس الوقت وبتنمية الرغبة الروحية أن رغباتنا الأنانية التي في قلبنا تستسلم وتتقلّص ثم تذبل وتتلاشى.
بعد ولادتنا في هذا العالم كلُ شخص منا مُلزمٌ أن يُغير مشاعر قلبه من حب الذات إلى حب الآخرين أثناء تواجدنا هنا في هذا العالم . هذا هو هدفُ حياةِ الإنسان وسبب وجوده هنا في هذا العالم والذي هو أيضًا هدف كل الخليقة. فإنَّ الإستبدال الكامل للرغبات الأنانية "حب الذات" برغبات محبّة الآخرين يُدعى "نهاية مراحل الإصلاح". يتوجّب على كل فرد منا وعلى كل الإنسانية أن تُحرز هذا الإصلاح معا ً في هذا العالم. فإلى أن يصل الإنسان إلى نقطة بلوغ هذا الهدف سيعود إلى هذا العالم من جديد. الكتاب والأنبياء تكلموا عن هذا الموضوع بشكل خاصّ وكليّ. طريقة التصحيح هذه تُدعى "بعلم الكابالا".
يجب علينا أن نوجه إنتباهنا إلى شىءٍ واحدٍ فقط , وهو نور الخالق الذي يُنمينا ويُقوِّمُنا. إذا كنا نتوق بأن نختبر تأثير نور الخالق علينا وعلى حياتنا واضعين أنفسنا في طاعته, عندها فقط سيُنجز النور عمله فينا . ليس هناك إكراه أو إجبار على أي شىء في العالم الروحي. تصحيح أو تقويم النفس ينشأ فقط بحَسبَ مقدار رغبة الإنسان بإخضاع ِ نفسه للتقويم. بالإضافة إلى هذا, يجب أن تكون رغبة الإنسان صادقة وحقيقية وليست زائفة او شكليّة؛ وهذا معناه بألا ّ يكونَ هناك أيُّ مراوغةٍ, فما تَنطُقه بشفتيكَ يجب أن يُماثلُ تماماً الذي في خفايا قلبكَ. نحن فقط نَستخْدم هذا النوع من السلوك في الكابالا والذي له أفضل تأثير علينا من ناحية تقويم أنفسنا ومساعدتنا على إجتياز كل مرحلةٍ حتى نصلُ إلى غايةِ هدفنا الذي هو الإتحاد مع الخالق.