حكاية من عالم الحيوان تعكس صورة واقع العالم الحالي
في غضون السنوات العشر الماضية شهد العالم تغيرات هائلة وعلى عدة أصعدة في مجالات الحياة. فالتغيرات شملت الحكومات في عدة دول وشهد العالم من القادة والحكام اللذين فقدوا سلطتهم ومناصبهم بل حياتهم أيضاً. ولم يقتصر التغيير على هذا فقط بل شمل حتى الشبكات الاجتماعية والتي من خلالها جمعت العالم في وحدوية للتعبير عن الآراء في حرية وتلقي الدعم من الآخرين
يبدو أن العالم بأكمله يواجه تغيرات كبيرة. يطلق البعض على هذا التحويل الذي يمر به العالم إسم التغير التطوري.
ولتوضيح صورة الواقع الحالي في ضوء مراحل التغيير التطوري أود إعطاء مثالاً مجازياً من عالم الأحياء والذي هو مجال إختصاصي وبحثي خلال الثلاثين سنة الماضية. إذا نظرنا إلى دورة حياة اليرقة نرى أن جسم اليرقة يحتوي على سبع مليارات خلية وهي متماثلة إلى حد كبير مع خلايا الجسم الإنساني في طريقة عملها فإن جميع الخلايا تعمل معاً بتركيز وترابط متين إذ تعمل كل خلية على تأمين ما تحتاجه الخلايا الأخرى كي تتمكن من متابعة عملها في الحفاظ على حياة الجسد, فمنها الذي يعمل على هضم الطعام والبعض الآخر يعمل على حماية الجسد من الجراثيم والميكروبات والبعض الآخر يعمل على تأمين الأوكسجين وهكذا كل مجموعة لها عملها الخاص والمنفرد بذاته ولكن بعملها معاً وسويا ً في وحدوية تستطيع اليرقة أن تنمو وتكبر ولكن وفي ذروة مرحلة النمو نجد أن طبيعة العمل تتباطىء عنما كانت عليه من قبل لدرجة أننا نجد أن النمو يصل إلى مرحلة التوقف التام . ففي تباطىء الخلايا نجد أن الجسد لم يعد يتلقى كمية الأوكسجين التي يحتاج إليها لإستمرار النمو وبدلاً من تجدد الخلايا ونموها نجد في أن العكس هو الحاصل إذ يبدأ الجسد في مرحلة الإنحدار ويضعف إلى مرحلة فيها يتلاشى بالكامل . ولكن وفي هذه المرحلة بالذات وعندما نرى أن كل شيء أخذ ينهار ويضمحل نجد أن مجموعة واحدة من الخلايا في هذا الجسد ترفض هذا الواقع المرير في الإضمحلال وموت هذا الجسد. هذه المجموعة من الخلايا متشابهة في تركيبتها الوراثية للخلايا الأخرى ولكن ما يميزها هو في أنها تتبع أسلوب مختلف في العمل أو إذا صح التعبير أن لها نهج وتفكير مختلف عن الخلايا الأخرى ولذلك نجد أن رد فعلها المختلف في النظر إلى وضع الجسد الذي ينحدر تدريجياً نحو الإضمحلال وفي تصرفها إذ أنها ترفض التلاشي من دون مقاومة والمحاولة في إتباعها أسلوب آخر في العمل. يطلق العلماء على هذه المجموعة من الخلايا إسم " الخلايا الخيالية". وظيفة هذه الخلايا هي في خلق نوع جديد من مراحل النمو لجسد اليرقة وقيادة نوع آخر من التغيير ونحو الأفضل في دورة حياة هذه اليرقة
في البداية تواجه هذه الخلايا المقاومة والرفض القاسي من قبل الخلايا الأخرى, ولكن هذه الخلايا وبالرغم من قلة عددها لا تُخلي نفسها من المسؤولية بل تعمل بنظام وتركيز نحو الهدف ليس فقط لهدف إبقاء الجسد على قيد الحياة بل لخلق مستوى حياة أفضل لهذا الكائن الحي فعلى الفور تنقسم هذه الخلايا بتزايد مشكلة مجموعات مترابطة من الخلايا الجديدة كل منها يعمل لصالح الجسد كوحدة متكاملة, كل خلية في هذه المجموعة تدرك وظيفتها وتدرك مسار النمو الصحيح لهذا الجسد وهكذا تصبح هذه الخلايا هي المجموعة المهمة والأساسية لهذا الجسد الذي يقترب من الإضمحلال وتصبح وكأنها عضو جديد فيه وهكذا تبدأ هذه الخلايا تشكل الأعضاء المختلفة في الجسد فمنها ما يصبح القدم ومنها ما يصبح الجناح وهكذا إلى أن تكتمل كافة أعضاء الجسد الجديد. وعندما يكتمل نمو كافة أعضاء الجسد الجديد نجد بأنه أصبح لدينا مخلوق جديد تماما - الفراشة
نحن نعلم بأننا جزء من الطبيعة وفي يومنا هذا نرى في أننا نعيش في عالم يتغير بإستمرار وبشكل سريع نحو تأسيس مجتمع متطور ومترابط في كافة أنواع علاقاته الدولية من ناحية الإقتصاد والسياسة والتعليم والسوق المالية والطب والتكنولوجيا وحتى السياحة. في هذا الوضع يوجد لدى كل فرد منا إختيار إما في أن يعزل نفسه وينفرد في مجتمعه معتقداً أن كل شيء سيبقى على حاله ويتحول إلى الأسواء أو أن يبدأ بالتفكير في مستقبل جديد وعالم جديد ومجتمع جديد مبني على قيم ومبادئ جديدة, مجتمع يكون فيه القطاع الإقتصادي والإجتماعي والتعليمي كلها متواصلة بروابط جديدة من خلال علاقات متبادلة مبنية على مبدأ الصالح العام.
يبدو أننا في يومنا هذا في بداية جديدة لعالم جديد. إن عالمنا اليوم تسوده العولمة والجميع فيه مرتبطون بشكل أو بآخر وهذا النوع الجديد من بنية المجتمع يتطلب من كل منا الإرتقاء من نوعية التفكير الأناني الذي يتمحور حول " الأنا " في الإنسان والتفكير بالمجتمع بشكله الكامل أي أن عمل كل فرد يكون ذو هدف الصالح العام وليس المنفعة الشخصية. في يومنا هذا نرى أن العالم أجمع يمر في مرحلة تقدم بطيئة جداً مما يدفع به إلى مكان خارج عن نظام قوانين الطبيعة في عدم نظام واضعاً إياه في موقف صعب ومعقد يصعب فيه التوقع ما قد يحدث في المستقبل القريب