هناك عُرف مُتعارف عليه ومُتبعٌ في العالم كله وهو أنه لا يصحّ أن يضع الإنسان ذو المهارة العالية نفسه مع أناس من أهل مهنته الغير المحترفين والغير ماهرين في عملهم ليتعلم من أفعالهم . فعلى سبيل المثال إذا أخذت إسكافي ووضعته مع غير الماهرين من أبناء حرفته سيؤثرون عليه بتفكيرهم بأنّ العناء غير مستحق في بذل الجهد الكثير في عمل حذاء جيد النوعية وعدم المبالاة من ناحية الجودة والنوعية لآن العناء باطل وبدون إستحقاق.
أو إذا أخذت خياطًٌا, فإذا كان بارعًا وماهرًا في مهنته عندما يكون ضمن هؤلائك الغير بارعين من أهل مهنته فهم سيؤثرون على تفكيره في عدم الضرورة بأن يُجهد نفسه في عمل الألبسة اللائقة في المظهر والنوعية وليس من الداعي أن يُتعب ويُجهد نفسه في المحاولة أو حتى التفكير في العمل.
ولكن في حال تواجد البناء بين الخياطين فهو لا يستطيع أن يتعلم من أفعالهم الشيئة لسبب عدم وجود أي ترابط بين كلا المهنتين ولكن في مجال المهنة نفسها يجب على الإنسان أن يراقب نفسه ويحذر من التعامل إلا ّ مع هؤلاء أصحاب القلب الصافي والنقي.
تماشيًا مع الأمثلة السابقة كذلك الحال بالنسبة لأي إنسان يخدم الخالق, فيجب عليك أن تكون يقظًا وتحترس لترى إذا كان هو خادمًا ماهرًا في عمله , بمعنى أنه دائمًا يسعى بأن يكون عمله نظيف وبنيّة طاهرة وصادقة والقصد منه هو لتمجيد إسم الخالق. ففي أقل الأحوال يجب أن يعلم بأنه ليس عاملاً ماهراً ويجب أن يلتمس النصيحة والإرشاد داخل نفسه لكي يكون عاملا ً بارعًا وليس عاملا ً عاديا ً يسعى وراء الربح والمكافأة فقط.
لكن العامل الماهر والجيد هو الرجل الذي لا يأخذ بعين الإعتبار المكافأة ولكن يرغب أكثر في أن ينعم ويستمتع في عمله. فإذا أخذنا مثال الخياط الماهر, فعندما يعلم أن الملابس التي صنعها ملائمة بمقايسها على الزبون وتظهر بفائق الأناقة واللياقة على الذي يرتديها فإن رؤية نتيجة عمله ستمنحه متعة أكثر من المتعة التي سيجنيها من الحصول على الربح المادي مقابل عمله.
كذلك الأمر بالنسبة لهؤلاء اللذين ليسوا من أهل حرفتك فإنه ليس من المستحيل عليك التواجد معهم وبينهم إذا كنت تعمل في حرفة البناء وهم يعملون في الدباغة ولكن بالنسبة لهؤلاء اللذين يعملون في مجال علم هذه الحكمة وهم غير مبالين في عملهم كالخياط الذي لا يهتم إذا كانت الملابس ملائمة وتوافق مقاييس الزبون بل أن فكرهم خارج عن أصول وتعاليم هذه الحكمة والوصايا والكتاب, هنا يجب عليك الحذر الدائم في التعامل مع هؤلاء وأن تكون متيقظا ً من ناحية هؤلاء وأبقى بعيدا ً عنهم. ولكن الأمر ليس هكذا مع الأشخاص العاديين.
أولاً: إحذر من هؤلاء ذو الفقاهة والحذاقة في التلاعب في الأمور الروحية وتفسيرها بشكل مقنع لمنطق الإنسان وليس كما يستوجب فهمها.
ثانيًا: إحذر من هؤلاء اللذين يستترون وراء ستار العلم والفقه زاعمين الروحيات, يجب أن تكون على إحتراس شديد من هؤلاء.
ثالثًا: ومن هؤلاء اللذين على معرفة في كتابات والدي صاحب السلم ودرسوا الحكمة لغرض إشباع رغباتهم الأنانية, كن يقظا ً من ناحيتهم وإحترس جداً.
والسبب في ذلك هو: ان في عالم "النيكوديم" أي ملخوت من دون زيفوك عليها بمعنى أنها في حال كونها نقطة سوداء وفارغة وليس لديها القدرة على إظهار النور المنعكس, أن "ملك دائات" أي أكبر وأعلى مرتبة الملوك, وهي درجة "كتيير" الجذر في أي درجة أي الملك الأول سقط إلى القعر, وهذا لسبب أن "الإرادة في التلقي" والتي بدورها تجذب النور تكون على أعلى الدرجات عندما يكون لها "مساخ" أي الحاجز أنظر شرح الكلمات لذلك كان سقوطها أعظيم من سقوط القوات الأخرى بسبب فقدانها للمساخ.
بإمكاننا تفسير هذا كما يلي. أن هؤلاء الناس عندما يسلكون في طريق الحق في خدمة الخالق يكون لديهم مقياس الضِعف من الإرادة في التلقي للواقع المادي والواقع الروحي معًا. عندما كانوا قريبين من صاحب السلم وكانوا يرتون من النور كالمتطفلين معتمدين عليه في حجم المساخ وقوة "الأفيوت" الكلي, ولكن الأن وبعد رحيله ليسوا خاضعين لأي سلطة وليس لديهم أي رغبة في بذل الجهد لإكتساب المساخ لأنفسهم, أصبح همهم الوحيد أن يظهروا بمظهر المعلمين الحكماء فقط لا غير.
في هذه الحالة لدينا هنا أفيوت من دون مساخ أي مقدار كبير من الإرادة في التقبل - من الأنانية وحب الذات وبالتالي يعلّمون الآخرين مما عندهم. بالنسبة لي أنا ليس لدي أي ثقة من ناحيتهم, ولا يستطيع أحد أن يمنعهم عنما يفعلون. أنا أشرت إلى هذا بشكل إيجازي لأنني لا أرغب في التفكير بهم لأنكم تعلمون أن قلب الإنسان فيما يفكر به.
لفهم الموضوع بشكل أوضح سأطرح مثالا ً بسيطًا : من المعروف أن بين كل درجة ودرجة يوجد وسط مُكوّن من مزيج كلا الدرجتين معًا
أ - بين درجة الجماد ودرجة النباتي يوجد الوسط ويدعى "الحجر المرجاني".
ب - بين درجة النباتي ودرجة الحيواني "ذو الحياة" يوجد وسط وهو الصخرة في الحقل أي الحيوان المرتبط بالأرض بحبل سرّي ويتلقى غذائه منها.
ت : وبين درجة الحيواني والمتكلم يوجد وسط وهو القرد
والسؤال هنا ما هو الوسط بين الحق والباطل؟ وما هي الدرجة التي نشأت من هذا المزيج بين هاتين الدرجتين؟
قبل أن أوضح أريد أن أضيف قانون كقاعدة من أجل توضيح الفكرة. من المعروف انه من الصعب بل من المستحيل رؤية الأشياء في حجمها الدقيق والصغير بالعين المجردة ولكن من الأسهل بكثير رؤية الأشياء الكبيرة. كذلك الأمر عندما يقترف الإنسان أكاذيب صغيرة فهو لا يستطيع رؤية الحقيقة في أنه سائر في طريق الكذب والباطل. بل في الأحرى أنه مقتنع في أنه يسير في طريق الحق. ولكن لا يوجد وهمٌ ولا كذبة أكبر من هذه والسبب هو أن هذا الإنسان لم يرتكب من الكذب بشكل متوفر وكافٍ حتى يكون بإمكانه رؤية الحقيقة
ولكن عندما يكتسب هذا الإنسان حياة ملؤها الكذب إلى أن تصبح حياته مغمورة بالأكاذيب لدرجة أنه يكون بإستطاعته أن يراها هذا إذا كان يرغب هو في رؤيتها والإعتراف بها في نفسه عندها يبداء يرى بأنه سائر في طريق الأباطيل ويرى وضعه على حقيقته. بكلمة أخرى أنه يرى الحق في نفسه وكيف يكون بإمكانه أن ينتقل للسير على طريق الحق.
يتنع ذلك أن من نقطة معرفة الحق هذه أي معرفته انه سائر في طريق الباطل, أن هذه النقطة هي الوسط بين الحق والباطل . هذه النقطة تكون بمثابة الجسر الذي يصل بين الحق والباطل. وهذه النقطة هي أيضا ً نهاية الكذب ومن هنا وصاعدا ً تكون بداية طريق الحق.
هنا نستطيع أن نرى إذا أردنا الحصول على بركة "ليشما" أنظر شرح المفردات يجب أن نصل أولا ً إلى "لو-ليشما" في أكبر مراحلها, فعندها فقط نستطيع الوصول إلى "ليشما". وهكذا هنا "لو - ليشما" تدعي الكذب, "ليشما" تدعى الحق. ففي حال أن الكذبة صغيرة وحفظ الوصايا والأعمال الحسنة قليل فالشخص هنا يملك جزء صغير من "لو - ليشما" وبالتالي لا يسنطيع رؤية الحق. ولهذا السبب في هذه المرحلة يقول الشخص بأنه يسير على طريق الحق أي أن عمله في "ليشما" أي أنه يصنع الحق. ولكن عندما يُشغل نفسه في دراسة الحكمة ليلا ً ونهارًا وهو في حالة "لو - ليشما" عندها يستطيع رؤية الحق, بما أن أكاذيبه تراكمت وتكدسة بكثرة فقد كبرت الكذبة إلى درجة يستطيع رؤيتها وأن يرى بأنه يسير في طريق الباطل وعندها يبداء بتصحيح أفعاله. بكلمة أخرى أنه يشعر بأن كل ما يفعله هو ضمن إطار "لو - ليشما" ومن هذه النقطة يستطيع الإنسان أن يعبر إلى طريق الحق إلى "ليشما". هنا فقط ومن هذه النقطة يبداء التطبيق العملي للقول "ينتقل الإنسان من لو- ليشما إلى ليشما". ولكن قبل هذه المرحلة إن كل ما يشرع به الإنسان هو المجادلة بأنه يعمل كل أفعاله من أجل "ليشما" وبالتالي كيف يمكنه أن يغير طريقه؟
لذلك إذا كان الإنسان يتسكع مُتكاسلا ً في العمل ومهملا ً فلن يتمكن من رؤية الحقيقة وبالتالي فهو مُنغمرٌ تماما ً في الباطل. ولكن كلما زاد من جهده في البحث وفي دراسة الحكمة لهدف إرضاء الخالق, عندها يستطيع الإنسان رؤية الحق أي إدراكه بأنه يخطو في طريق الباطل وأنه في "لو-ليشما". إدراكه هذا هو ما يدعى بنقطة الوسط بين الحق والباطل. إذًا يجب علينا أن نكون أقوياء وواثقين بأننا نسير على الطريق الصحيح ليكون كل يوم ٍ نعيشه يومًا جديدًا, فإننا بحاجة إلى تجديد أساس المعرفة والإدراك لدينا لكي نسير دائمًا إلى الأمام