من أرض شنعار من مدينه بابل هناك كان رجلاً حكيماً يعمل محاولاً أن ينشر السلام والوئام بين الناس في المدينة التي كان يعيش فيها كان اسم هذا الرجل إبراهيم. وكالعالِم الذي يبحث عن براهين علمية أخذ إبراهيم في النظر متحققاً ببنية وقوانين العالم من حوله في ما كان يحدث في مدينة بابل باحثاً في تاريخها ومن هنا أخذ يرتب أجزاء صورة الطبيعة الإنسانية المبعثرة من حوله محاولاً ربط هذه الأجزاء معاً بحسب القوانين التي تأسس الكون عليها ليجد التوازن بين الطبيعة الإنسانية والبيئة التي يعيش فيها الإنسان وكيفية التأثير المتبادل لكليهما على الآخر ودور الإنسان وهدف وجوده فيها.
من خلال بحثه وتحليل قواعد القوانيين الطبيعية وجد إبراهيم بأن الإنسان هو العامل الوحيد الخارج عن نظام وإطار هذه القوانيين التي وضعها الخالق. قد نجح إبراهيم في إدراك وفهم عمل القوة التي تتوارى وراء الطبيعة وأدرك عظمة الفكر الذي خلق الكون والحياة فيه وأظهر من خلال براهين علمية هدف وجود الإنسان في هذا العالم في مساعدته على تصحيح طبيعته البشرية أي" الأنا " التي ولد فيها وإحراز مصدر ومنبع الحياة من خلالها في إنسجام متكامل مع البيئة من حوله. ولكن الإنسان منهمك في المحاولة في السيطرة على الطبيعة وعلى العالم من حوله متجهلاً جميع إنذارات الطبيعة التي توجهها له في كل مرة يتعدى حرمة قوانينها إذ أن السعي وراء ملذات الحياة والسيطرة على من حوله أعمى بصره لدرجة أن حب الذات لديه فصله تماماً عن الطبيعة من حوله والتي هو جزء منها مما يسبب له المعاناة التي يواجهها في هذه الحياة.
تنهد إبراهيم متسائلاً في نفسه " آه لو أن هؤلاء البابليون يفهمون سر الحياة هذا ". عندها أخذ يُظهر لهم شارحاً القوانين التي يسير عليها الكون وكيفية تعامل الطبيعة مع الإنسان حسب نوعية سلوكه نحوها. وأظهر شارحاً لهم أن رد فعل الطبيعة في عزل الإنسان عن الآخرين هو إعطاء الفرصة لكل شخص لينمو بشكل صحيح معتمداً على نفسه كما لو كان الإنسان يلعب لعبة الشطرنج فكلما زادت الصعوبات التي يواجهها وزادت التحديات في الوصول إلى الهدف كلما حصل على مهارة أكثر وذكاء أرفع في براعته في اللعب والوصول إلى درجة يصبح هو فيها سيّد هذه اللعبة.
هكذا الأمر أيضاً في تعامل الطبيعة مع الإنسان إذ أنها تزيد من رغباتنا الأنانية في الحصول على المزيد من كل شيء وذلك لهدف تنمية الإنسان لنفسه. وفي التغلب على الصعوبات في كل مرحلة من مراحل نمو " الأنا " في الإنسان يتلاشى حائط العزلة بين أبناء البشر وبالتالي ومن خلال هذا الترابط يستطيع الجميع الوصول إلى إنسجام مع البيئة وإدراك مسار الحياة. هذا الترابط ما يجمع البشرية بأكملها في وحدوية وكأنها عائلة واحدة فيها يهتم كل شخص بحاجات الآخرين كما يهتم الإنسان بحاجات أفراد أسرته وإن الصعوبات التي تواجه الإنسان في إرتباطه مع الآخرين للمحافظة على الوحدوية هي لعبة الحياة . هذا ما أظهره لنا سيدنا إبراهيم عليه السلام.
بخلاف لعبة الشطرنج الشيء الوحيد والأكثر أهمية في لعبة الحياة هذه أنه من الصعب بل من المستحيل أن يغلب الإنسان إذا لعب لوحده إذ أن الشرط الوحيد للربح هنا هو في التعاون مع الآخرين وهذا هو معنى الضمان المتبادل بين الناس.
إن تضاخم " الأنا " في الناس أدى بهم إلى بناء برج بابل والذي إنهار فيما بعد. هذه المجموعة من الناس اللذين تبددوا على وجه الأرض هم اللذين أنشأوا الدول والأمم والمجتمعات ولكن مجموعة قليلة من هؤلاء الناس اللذين سمعوا تعليم إبراهيم عليه السلام والتي فيما بعد دعيوا بإسم " يشار- كيل " إي الطريق نحو الخالق والقائم على محبة الإنسان لأخيه الإنسان . حاولت هذه المجموعة ما بإستطاعتها في المحافظة على الإرتباط معاً من خلال محبة الآخرين بالرغم من جميع الصعوبات التي واجهتها عبر الزمن.
وها نحن الآن وبعد أربعة آلاف سنة من عصر سيدنا إبراهيم نجد أنفسنا في عصر قد تصاخمت فيه " الأنا " وكبرت إلى أقصى درجاتها وها هي الآن تدفع الجميع ونحن معهم أيضاً لبناء برج بابل الحديث والذي يتجسد في مدى ترابط المصالح الموقف الذي يجد العالم نفسه فيه في إعتماد كل دولة على الدول الأخرى للبقاء. لكن وبخلاف عصر إبراهيم إن هذه الأزمة التي نعيش فيها اليوم لا يوجد منها أي سبيل للفرار ولا للنجاة أيضاً. اليوم وأكثر من أي زمان مضى يجد العالم نفسه في حاجة ماسة إلى طريقة تساعده في التعامل مع درجة أنانية الإنسان التي إستولت على العالم والتي ستؤدي إلى تخريبه. وها نحن الآن الأمة التي وُجدت وتأسست على قانون محبة الآخرين يتوجب علينا أن نأخذ المسؤولية على عاتقنا في كوننا مثالاً حي للعالم في إثبات ما كان يعلمه سيدنا إبراهيم عليه السلام في الماضي مثبتين أن الإرتباط المتبادل بين البشر بناءً على أساس محبة الآخرين هو الحل الوحيد للمعاناة اليوم.
إن مبدأ " أحب قريبك كنفسك " والذي هو مبدأ الحياة وبنية وأساس المجتمع هو كل ما في حوزتنا لنقدمه للعالم. إن المجتمع المبني على هذا الأساس هو مجتمع صحيح في جوهره وللكراهية لا محل فيه. ففي طيات جسد " الأنا " توجد شرارة النور التي أضاءها سيدنا إبراهيم وهو الذي حفرها ونقشها فينا من خلال الأجيال الماضية. وإذا كان في إرادة كل منا إنعاش هذه الشرارة لتتوهج بلهيب المحبة للآخرين ستُنعش هذه الشرارة حياتنا وتجلب النمو والإزدهار للمجتمع الذي يتمنى كل شخص العيش فيه.
إن رغبتنا في التضامن المتبادل تسطع بالنور من صميم قلوبنا فالجميع يرغب في مجتمع يسوده السلام والمحبة كما العائلة الواحدة . فإن جميع الأحداث منذ بداية تاريخ البشرية إلى يومنا هذا تقودنا اليوم لإظهار مبدأ التضامن المتبادل الذي أسسه أبونا وسيدنا إبراهيم عليه السلام.