الدرس الثالث
موضوع هذا الدرس
۱- الهَدف من فكرةِ وُجودِ الخَليقةِ .
٢- بنية طبيعتنا البشرية والرغبة وملذات الحياة وتجنب الألم
۳- كيف أنَّ المعاناة في الحياة هي مرحلة ضرورية ولا بُدّ منها لنمونا الروحي
٤- الهدف من المعاناة في الحياة هو في خلق الحاجة في داخلنا للبحث عن السبب
۵- قوة النمو والتطور ومعنى المعاناة
لماذا خُلقنا ؟ ولماذا وضعنا الخالق في هذا العالم ؟
يقول علم الكابالا أن هدف الإنسان من وجوده في هذا العالم هو الوصول إلى درجة الكمال والأبدية . ولكن كيف يكون هذا ؟
لقد سبق وتكلمنا في الدرس الأول عن ماهية علم الكابالا ومصدره ولما دعي بعلم الحكمة الخفية. وبحثنا أيضاً في موضوع لغة الفروع التي إسنُخدمت في نصوص علم الكابالا , كما وتطرقنا أيضاً إلى شرح الواقع الشامل بأجزاءه ودرجاته.
أما في الدرس الثاني فقد تكلمنا عن معرفة حقيقة الواقع المحيط بنا وعن الحاسة السادسة كوسيلة في إدراك ومعرفة العالم الروحي وعن أهمية الرغبة والتي بدورها تشكل الدافع في توجيه الإنسان نحو العالم الروحي ليجد معناً وهدفاً لحياته.
وأما في هذا الدرس نحن سنتكلم عن الهدف من وراء فكرة وجود الخليقة وعن المعاناة والدورالذي يلعبه في نمونا الروحي
إن جوهر فكرة عمل الخليقة هو رغبة الخالق في عمل مخلوق وملء هذا المخلوق بالإبتهاج والسرور من غير حدود . هذا هو جذر أو مصدر أيِّ حدث يتجلى في واقعنا وأي حدث يأخذ مجراه في حياتنا هو نتيجة هذه الرغبة ، ونحن نرى كل حدث في منظوره الشامل والذي يضم البداية والنهاية , أي بداية الحدث ونهايته سواء أكان بوسعنا إدراك هذه الحقيقة أم لا.
المشكلة لدينا هي أننا نعتقد أنه من المتوجب علينا الإستفسار عن أمور الحياة المعقدة والعميقة والتساؤل عن عدم قدرينا في معرفة ماذا يجري في الكون من حولنا ومحاولة تخمين وإفتراض مصيرنا وقدرنا , ولكن في الواقع أن الحاجة لدينا هي في معرفة حقيقة واحدة لا غير والتي تفرض علينا أن نسأل السؤال الوحيد والأكثر أهمية والذي في إجابته سنحصل على معرفة عالية ونكتسب منظوراً جديداً للحياة والعالم الذي نحن فيه. والسؤال هو : " إذا كان الخالق رمز المحبة والجودة والعطاء الكامل وكل ما يأتي منه هو الخير إذاً لماذا نرى الشر يملء عالمنا ؟ وإذا كنت أنا الإنسان قد وُجِدتُ هنا في هذا العالم لهدف الوصول إلى حالة الكمال والأبدية فكيف يكون هذا ممكناً وأنا أعيش في عالم يجتاحه الشر بلا حدود؟ كيف سيكون بإستطاعتي إدراك هذا الكمال بطبيعتي الأنانية ؟
سؤال عميق وواسع الأبعاد وذو شقين , ولهدف مساعدتنا سنستعين بكتابات ونصوص علماء الكابالا إذ أنهم وضعوا لنا إطاراً لتوجبهنا في المسار الصحيح فكل الكتابات والنصوص حُفظت من أجلنا نحن والتي َدَوَن فيها العلماء على مر الأجيال نتائج بحوثهم وتجاربتهم الشخصية بعد قضاء معظم سنين حياتهم في البحث في دراسة الحقائق التي بُنيى الوجود عليها والتي إنتقلت من معلم إلى تلميذه على مر العصور إبتدأ من أبونا آدم إلى آخر عالم كابالا في جيلنا الراباش .
عالم الكابالا الشهير والملقب بصاحب السلم يُخبرنا بأن هناك قانون أساسي في علم الكابالا وهو: "كل ما لا يمكن إدراكه أو الوصول إليه لا يمكن تسميته ". ماذا يعني بذلك؟
الهدف الذي نريد أن نصل إليه هو الإدراك الحسيّ المباشر بالخالق ، وليس بفكرة مجردة أو مبداء أو مفهوم فكري أو ثقافي لأنه لا توجد إجابة حقيقية في مثل هذا النوع من التفكير , فالإنسان لا يمكنه أن يشعر بالثقة الكاملة بمجرد فكرة أو بالمفهوم التجريدي لمبداء أو فكرة ما . بل يتوجب على الإنسان أن يكون قادرا ً على الشعور بحقيقة هذه الفكرة بشكل واقعي كإحساسك بقدميك وأنت منتصب عليهما أو كما وإذا كنت تنظر الى شيء ما أمامك وتراه بعينيك . فالإدراك لهذه المعرفة يجب أن يكون حسيّ . إذا ً الحاجة هنا فقط هو في تغيير طريقة إدراك الحقيقة وليس الأفكار .
في الواقع إن الإنسان غير قادر على فهم الأحداث التي تحدث له في حياته - أي معرفة مصدرها وسببها - لأنه يرفض قسما ً كبيرا ً من واقعه الذي حوله . فإن مقدار النصف من كل ما يحدث في العالم الذي يعيش فيه يُقدره ويعتبره على أنه شيئ مؤذٍ وغير صالح وبالتالي يتجنبه ويرفضه. وهذا بسبب " الأنا " فينا أي النظام الذي نسير بموجبه والذي هو " الرغبة في الأخذ ". وهذه الرغبة تعمل بمثابة نظام التوجيه الذي يُسيّر حياتنا ، وهذا يعني أننا خاضعون تماما تحت سيطرتها , وبناءً على هذا إن عمل " الأنا " كله يتركز على : إما جذبنا وراء الأشياء التي نجد فيها المتعة والتي نعتبرها جيدة ، أو أنها تذهب بنا بالإتجاه المعاكس لما تحسبه شيئا ً لا يُعد مصدر متعة لدينا بل سيولد الشعور بالفراغ عندنا وبالتالي فإننا نهرب ونبتعد عن هذه الأشياء.
نحن نسعى فقط وباستمرار وراء تلك الأشياء التي تُعتبر جيدة ومصدر لذة لنا , لذلك ليس لدينا الإدراك الصحيح لحقيقة الواقع من حولنا لأن تركيزنا يكون محصوراً في جزءٍ واحدٍ وصغير وبالتالي لا نستطيع رؤية الصورة بشكلها الكامل , ولهذا السبب يكون إدراكنا للواقع خاطئ لأن إهتمامنا مُنصّبٌ فقط على نقطة واحدة ومعينة . حصر تركيزنا على الجزء الصغير ناتج عن نظرتنا للحدث على مستوى أنه سيئ أو معقد. وهذه مشكلة كبيرة بالنسبة لنا فإننا إذا نظرنا إلى الطبيعة من حولنا فإننا نجد أن كل الحقائق في واقعنا ظاهرة فقط نتيجة قانون التباين.
فإننا نعرف البرودة من نقيضها أي الحرارة , نعرف العلو لأنه يوجد ما يدعى أسفل , نعرف الصغير مقارنة بما هو كبير . فإذا نظرنا إلى - الحرارة - في حد ذاتها ولم يكن هناك شيء معاكس لها ليكون بإمكاننا معرفة نوعيتها وصفتها المميزة والتي تحدد لنا إطار مفهومها وأهميتها وتأثير زيادتها أو نقصها ، فإنها تُعتبر - شيئ مجرد - ولن يكن بإمكاننا أن نشعر بأي شيء فيه . فإذا لم يكن هناك أي حركة ، أي فقدان الوسيلة لقياس أي شيء ، فما الذي يمكننا معرفته عن الحرارة ؟ فلا يوجد أي شيئ في كون أي شيء في واقعنا - مجرد - لأنه لن يوجد فيه أي نوع من الشعور أو الإحساس به . إذا ً إن المقارنة بين ما نعتبره جيدا ً والسبب في أننا نعتبره جيد ، وبين ما نختبره في الحياة على أنه تجربة سيئة ، والسبب في أننا نعتبرها سيئة ، هذا هو الشيء الوحيد الذي يجب علينا موازنته.
إذا ً نحن بحاجة إلى طريقة ونظام ثابت متكامل وجدير بالثقة يساعدنا في وضع الأمور في نطاق أكبر من الواقع المادي المحدود لنقيّم كل ما يواجهنا ، لأن كل تقيمُنا للخير والشر من خلال الرغبة التي فينا أي " الأنا " هو ذاتي تماما وغير موضوعي ؛ ولهذا السبب نحن نقول ان بعض الأحداث التي نراها على أنها شر . ولكن اذا كنا حقا ننظر في الأمر بعمق فلا بد من النظر في التجربة الفعلية ومن كل جانب أي مصدر الحدث والسبب الذي أدى إليه والنتائج الحاصلة وتأثيرها علينا حاليا ً وعلى المستقبل بمعنى كونها العامل الذي سيلعب دورا ً مهم في ما سيحدث بعد ذلك . إذا لتتحقق في رد فعلك بصدق يجب عليك أن ترى الحدث أو التجربة التي مررت بها في حقيقة واقعها الأصلية وهذا هو المقصود بعبارة " إن كل ما لا يمكن إدراكه أو الوصول إليه لا يمكن تسميته" .
إذا نظرنا إلى أمر الحرائق الطبيعية للغابات ، فكل ما نراه هو المقدار الهائل من الضرر ، وفي هذه الحالة نقول أن ما حدث كان سيئاّ جدا ً للأشجار وللبيئة ، ولكن في نطاق أوسع من التفكير الواقعي الشامل ، ما حدث هو شيئ جيد ونافع لأن الغرض والهدف منه هو إزالة كل ما هو ضعيف ومريض وإستبداله بالأفضل , فالأشجار ستنمو بكثافة أكبر وبحالة صحيحة وصحيّة أيضا ً والتربة حصلت على السماد الطبيعي الفائق الجودة والتي بدورها ستكون مصدر غذاء غني بكل المعادن للنمو الكثيف . فالأشياء التي كانت تحول دون النمو الصحيح للأشجار تغيرت بسبب الحريق . والآن وبما أنه توفر لنا صورة الواقع الشامل للحدث هل ما زلت تعتقد بأن ما حصل كان شيئا ً سيئا ً ؟؟ فمن هذا المنطلق , علم الكابالا يسمح لنا بأن نرى الصورة الكاملة أو ما نسميه بالواقع الشامل لكل حدث يأخذ مجراه في حياتنا وعلى كافة مستويات الحياة , وهذا يكون ممكنا ّ من خلال النمو الروحي للشخص والذي يرفع المخلوق من درجة الكائن الحي أي " المستوى البهيمي للوجود " إلى درجة المتكلم أي " المستوى الإنساني الكامل - على صورة خالقه " أي إنسان ذو نفس نامية وتتحلى بسمات خالقها.
إنّ مستوى درجة المتكلم هي نقطة البداية حيث يبدأ منها الإنسان بالتفاعل مع النظام الأعلى وأن يصبح جزءً منه بحيث أنه يستطيع أن يرى الواقع بكامله وليس جزءً منه فقط ويستطيع أن ينظر إلى ما يحدث من خلال المعرفة الشاملة للأمور أي السبب الذي أدى إلى هذا الحدث ليأخذ مجراه في عالمنا وما هي النتيجة الحقيقية والهدف منه .. بكلمة أخرى سيكون بمقدور الإنسان أن يفهم طريقة عمل النظام الذي من خلاله يدير الخالق عالمنا ، وكيف تتحرك بنا هذه القوة العليا بقدرتها الفائقة وبراعتها وتقودنا في طريق سالك في نظام الأنا المسيطر على حياتنا لتجذبنا وراء ما هو نافع وصالح وتردُنا عما هو مكروه وضار . إذا كنا نستطيع أن نرى كل ما يحدث من على هذا المستوى عندها نستيطع أن ترى كل الأحداث بكاملها وليس فقط ما يحدث بين الحين والآخر
فما الذي يتوجب علينا فعله لنكون قادرين للوصول إلى هذا المستوى العالي والرفيع أي إلى " درجة المتكلم "؟ وكيف يمكننا رؤية الأمور من خلال هذا المنظور ؟ الحق أننا لا نستطيع التوصل إلى هذا من تلقاء أنفسنا . فالخيار الوحيد الذي أمامنا هو بمعونة ما هو موجود أصلا ً هناك ، فيجب علينا أن نكون قادرين على الإحساس والشعور بما هو كائن حتى نستطيع أن نتشابه به
في الدرس الأول نحن تكلمنا عن مراحل ومستوى الرغبات , فإن قوة التطور هي في نمو هذه الرغبات في كل مستوياتها وبحسب درجاتها وأن نظام القوة العليا أي الخالق قد رتب لنا أن ننمو ونتقدم من خلال هذه الرغبات إلى أن نصل إلى المرحلة التي فيها نتوق ونرغب الشيء الصحيح بالتحديد . ولكن وبما أننا عنصر أو طرف فعّالٌ في تقدمنا الروحي ونمونا بطريقة غير مباشرة أي ليس من خلال إرادتنا أننا تواجدنا في هذا الوضع ، وليس بإرادتنا أيضا ً أن نُحرز أي يقدم ، حتى نصل الى مرحلة الإيقاظ أي عندما تصحو النقطة في القلب لدى الشخص.
يحدث الإيقاظ من خلال مجموعة الأحداث والتي نصِفُها "بالجيد والسيئ ". بعبارة أخرى, أنّ رغباتنا تنمو وتتغير بإستمرار بحيث تصبح أسئلتنا أكثر عمقا ً وإتساعا ً . فكل حدث فضيع يأخذ مجراه في حياتنا وفي العالم من حولنا يجعلنا نتسائل بعمق : عما هو السبب الحقيقي لهذه المعاناة ؟ لماذا أنا أعاني وكيف يمكنني وقف هذه المعاناة ؟ فإن قوة التطور هذه تبقى تُسيرنا بشكل غير مباشر حتى نصل إلى نقطة فيها نرفض أن نقتنع بأي جواب بل يجب علينا أن نحصل على الإجابة الحقيقية لسبب المعاناة التي نمُرّ فيها ، لأن الجواب على السؤال يأتي فقط من القوة العليا أي من الخالق الذي يدير هذا النظام ويسيّر حياتي.
هنا يصل الإنسان إلى مرحلةٍ فيها يركيز شعوره ورغبته في تكوين حاجة واعية ملموسة في داخله لإلتماس جواب مُقنع لهذا السؤال ولا يمكن لأي رغبة أخرى أن تحل محل إحساسه الصادق في إيجاد الجواب الصحيح , فهذه الحاجة الآن أصبحت وعاء لإحتواء الجواب أي أصبح للإنسان القدرة على تلقي جوابا ً لما كان يطلبه . ولكن حتى نصل إلى معرفة سبب المعاناة ، علينا أولا ً أن نعرف ما هو الجيد وما هو السيء بناءً على مقياس عادل , صحيح وثابت . والآن نحن طبعا ً نعلم اننا لا نستطيع الإعتماد على نظام الأنا فينا لكونه أناني في تقيم الأمور والأحداث وبالتالي فلن نحصل على جواب صحيح منه . فالمقياس العادل والثابت يجب أن يكون مقابل شيء غير مُتقلب بإستمرار . وصفات العدل والثبات هي من صفات الخالق فقط . فسماته التي يتحلى بها من محبة وعطاء مطلق بجانب صفتي أنا المخلوق والتي هي حب الأخذ للذات . فإن مقياس التباين هذا بين هاتين الصفتين المتناقضتين هو الذي سيعطينا الشعور في مكان وجودنا أي المستوى الذي نحن عليه ، لأن الشيء الوحيد هناك لنحس ونشعر به هو الخالق والسؤال الآن هو: كيف يمكنني الحصول على هذا الإحساس ؟ وما هي كيفية إحساسي بهذا الشعور ؟
نحن نعيش في بحر من النور - نور الخالق - . هذا يعني أننا دائما في حالة تلقي البهجة والسرور من الخالق في إنائنا الروحي " الكلي . هذه هي إرادتنا أو الرغبة في التلقي أي " الأنا " والنور الإلهي يملؤنا دائما ً وبشكل مستمر بالبهجة والسرور ، ومع هذا الإحساس والذي هو في الواقع إحساس النور الإلهي نفسه. هو دائما ً وفي كل الأحوال الخالق بإستثنا أن الأمر يتوقف على ما نقول نحن ما هو ، والصفة أو الصيغة التي نجعلها عليه ، وما نطلق على ما يحدث لنا.
جميع الأحداث التي تحدث لنا ومعنا في هذه الحياة قد ارسلت الينا على النحو المباشر أي من النور من مصدره المباشر . ولكن اذا شعرنا بالنور بهذه الطريقة أي بشكل مباشر ، أي أن نشعر به من خلال الرغبة للتلقي لدينا ونحن لا نعرف السبب وراء هذه العطية . والذي يجب أن نسعى لعمله في هذه الحالة هو أن نحاول فهم الفكر وراء هذا الحدث أي أن نتسائل : " ما هي نوعية هذا العطاء ؟ وما هي نية الخالق وقصده من خلال ما يحدث معنا ؟ وكيف هذا الحدث مرتبط ومتعلق بالقوة التي تنمينا وكيف ستصل بنا إلى الشعور بالرضى والإكتفاء
فإذا كنا بوسعنا فهم واستعاب هذا الشعور عندها سيكون بإمكاننا فهم ما يحدث من حولنا أي ان نصل إلى المستوى الذي فيه تكون لنا رؤية جليًة للأمور ويكون همنا الوحيد مركز على السعي بأن تبرر عمل الخالق من المنطلق على أنه جيد وأن كل ما يأتي من عنده هو بركة ونعمة . فهذه هي صفات الرجل الصدّيق . لأن الرجل الصدّيق بالرغم مما يواجهه في الحياة من الحسن والسيء, فإن قلبه وفكره دائما ً موجه وراء قوة الخالق الخيّرة والحسنة والتي توجهنا في مسيرة حياتنا . إن الفرق بين ما نشعر به في نفسنا " أي الوعاء الروحي لدينا "، وما هو فكر الخالق وراء الحدث , أي الفرق بين فكرنا وفكر الخالق هو مصدر المعاناة.
التناقض بين طبيعتي أي - النية في التلقيّ وحب للذات - وبين نيّة الخالق في العطاء المطلق , هذا التناقض وهذا التباين ما يسبب لي الشعور بالمشقة والمعاناة . فإن قانون العطاء المطلق هو القانون العام الذي يحكم الكون وكل شيء فيه . وإن جميع قوانين الطبيعة مبنية على اساس هذه القانون وتسير تبعا ً له في كل إنسجام , وإستناداً عليه يتعين ويتوجب على جميع أشكال الحياة إيجاد التوازن ، وإلى الدرجة التي لا نحافظ بها على التوازن لقانون الحياة هذا, فإننا لن نجد إلا ّ المعاناة في كل جوانب الحياة وليس على صعيد الشخصي فقط بل إن الخلل سيؤثر على الإنسان وعلى محيطه على السواء.
الدراسة والبحث في نصوص علم حكمة الكابالا ليس لهدف المعرفة الفكرية بل من خلال الرغبة للإرتقاء فوق المعاناة هو الذي سيمكننا من فهم معنى وكيفية عمل القانون العام والذي يسير عليه الكون , كما ويشرح لنا سمات النور وسمات إرادة الأنسان الأنانية وكيفية إيجاد التوازن بتغير هذه الصفات الأنانية وإستبدالها بسمات النور ليتمكن الإنسان من خلق التوازن والتخطي فوق المعاناة.
إن نص " ليس هناك سواه " الذي تكلم به عالم الكابالا صاحب السلم ودونه عالم الكابالا الراباش يقول قد كتب
" ليس هنالك سواه - هذا يعني أنه ليس هنالك من قوة أخرى تملك القدرة على أن تقوم بأي عمل ما ضد إرادته . وما يراه الإنسان من أن هناك أموراً في هذا العالم تنكر وجود السلطة العليا، هذا سببه أن هذه هي مشيئة الخالق. وهذا ما يُعتبر تصحيحا ً والذي يُقال له " اليسار ترفض واليمين تُقرب من المحور الرئيسي "، معنى ذلك ان ما ترفضه اليسرى يعتبر تصحيحا ً. هذا يعني بأن هناك أمور في هذا العالم تسعى من البداية إلي تحويل وإبعاد الشخص عن الطريق الصحيح، والتي بواسطتها يُرفض الإنسان من القداسة
والفائدة من هذا الرفض أن من خلاله يحصل الشخص على الحاجة وعلى رغبة تامة إلى مساعدة الخالق له وفقا ً لإدراكه بأنه تائه من دون مساعدته.ويرى أنه لا يتقدم في العمل فحسب بل يُدرك أنه يرتد إلى الوراء ، وبذلك يرى أنه يفقد القدره على حفظ الوصايا حتى وإن كانت للوليشما ( ليس من أجل إسم الخالق ) وإنه فقط وعن طريق التغلب الحقيقي على كل العوائق فوق حدود المنطق يمكنه أن يحفظ الأسفار والوصايا .
بعبارة أخرى إنّ العالم قد شُكل وبُني بأسلوب نشعر أن النظام الذي يُسيّره مبني على " الأحداث الجيدة والسيئة " والشعور بأن هناك قوة معارضة ومقاومة لما هو جيدٌ فينا أي بمعنى أن هناك شيء يمنعنا من الشعور الجيد . والسبب بأننا نرى الأمور على هذا النحو أنها إرادة الخالق , والغرض من هذا هو مساعدتنا في تصحيح " الأنا " فينا.
الذي يحاول عالم الكابالا قوله هنا هو أن الشعور بالقوة التي تدفع بنا بعيدا عن قدرتنا بالإحساس بالخالق هو ما يسمى "بعمل التصحيح". هذه القوة هي جزء من النظام الذي تكلمنا عنه والذي يلعب دورا ً كبيرا ً في مساعدتنا في تصحيح " الأنا " فينا وهذا ما يُدعى "اليسار ترفض " أي إحساسنا بقوة الدفع بعيدا ً عن الخالق و" اليمين تُقرب من المحور الرئيسي " أي التقرب من الخالق.
هذا يعني أن هناك أشياء في العالم والتي تهدف من البداية بتحويل الشخص عن الطريق الصحيح وهذا يعني أنه عندما يرغب الإنسان بالإحساس بالخالق ويرغب بمعرفة القوانين التي تسيّر حياته ، أي أن يفصل الإنسان نفسه عن العالم المادي" وليس المعني هنا حياة التقشف " ويرتقي بإحساسه للرغبة في إحراز العالم الروحي.
الإحساس في الدفع بعيداً -- نابع من الرغبة والنية في معرفة الخالق وبالتالي يوّلد الشعور بالحاجة في داخل الإنسان أي أن هناك حاجة محددة بدأت تتجلى في أعماق الإنسان , ونحن هنا لا نتكلم عن الحاجات والرغبات المادية كالسيارات الجديدة ، أو الثروة ، أو المعرفة ، أو النفوذ والسلطة , لا بل المقصود هو الرغبة للخالق والعالم الروحي.
وهذا يعني أن كل ما زادت الحاجة أو الرغبة يصبح التباين بين سماتنا الأنانية وبين سمات النور السامية ظاهراُ بشكل واضح وهذا التباين هو الذي يُمكنُنا من رؤية الشر " شر الأنانية وحب الذات في داخلنا " وهذا ما يُدعى في الكابالا " إباحة الشر الكامن في الأنسان " . ما هي الحاجة في الوصول إلى هذا الشعور ؟ هذا الشعور هو وسيلة القياس التي سنستخدمها في مراحل التصحيح , فكما شرحنا سابقا ً ان معرفة أي شيء تظهر بمعرفة ضده , فكلما زادت رغبتنا في معرفة الخالق زادت معرفتنا لواقع طبيعتنا الأنانية , وكلما زادت رغبتنا في التقرب من الخالق إزداد مقدار النور الذي يملاء " الكلي " أي وعاءنا الروحي أي نفس الإنسان .
ويرى بأنه لا يتقدم في العمل فحسب بل يُدرك أنه يرتد إلى الوراء أي يرى أنه يفقد القدره على حفظ الوصايا حتى وإن كانت للوليشما ( ليس من أجل إسم الخالق ). وإنه فقط عن طريق التغلب الحقيقي على كل العوائق فوق حدود المنطق يمكنه أن يحفظ الأسفار والوصايا
إنّ القوة التي نختبرها في واقع حياتنا من خلال الأحداث الجيدة والسيئة على مدار الحياة هي " لوضع الفكرة في مفهوم صورة من أجل التوضيح لا غير " يسار ويمين الخالق الذي يهدينا من خلال كل العقبات التي تواجهنا في حياتنا هذا إذا كان لدينا إدراك الرغبة في التركيز وتوجيه النفس بشكل مباشر تجاه الخالق إلى أن يصل الإنسان إلى مرحلة فيها تستطيع الرغبة في داخله أن تتفوق وترتقي به فوق العالم الخيالي وتصل به إلى الإدراك الكامل بواقعه الكليّ .
نشاهدكم في الدرس القادم